زهور و أشجار وأنهار ..سويسرا ما هذا الجمال?
الطريق إلى إنترلاكن السويسرية
مقدمة : قصة السفر
اشتريت مجموعة من الكتب من مدينة بون العام الماضي , و أخذت دورها في طابور الانتظار الطويل , حتى يحين موعدها فأبدأ بتتبع حروفها . و كان من بين تلك الكتب كتاباً واحداً جذبني عنوانه , و شدني أن أقدمه على أقرانه , فلما كانت الأجازة الصيفية ذهبت برحلة داخلية مع عائلتي …
و قلبت الكتب في مكتبتي لكي أصطحب معي بعضها , فما كان مني إلا أن أمسكت بيد ذلك الكتاب الذي يغازلني باسمه , و يخبرني بأن هناك شيئاً يستحق أن يقرأ بين دفتيه , أخذته و خبأته عن زوجتي و وضعته في ثنايا ثيابي , حتى لا تقول لي ريحانة نجد أنك قد اصطحبت معك ما يشغلك عنا (في أول حياة المرأة أعداءها أربعة: أي امرأة جميلة , و الزوجة الثانية , و الكتاب , و الإنترنت , و في آخر حياتها يموت كل أولائك الأعداء و يبقى الزوج هو العدو الأول…أحس أنني و عبر هذه المقولة قد اقترفت خطأ فادحاً ) , بدأت استغل فترة الصباح الباكر فخصصته للجلوس مع هذا الكتاب , هو كتاب من الحجم المتوسط بعدد صفحات تقارب 400 , فيه مذكرات شخصية لصاحبة الكتاب , و أحب الكتب إلى نفسي هي كتب المذكرات و السيرة , و التي تحكي تجارب الناس في حياتهم , ففيها عصارة جهدهم , و كل خبرتهم , و تعكس فكرهم و شخصيتهم , و هي تمد القارئ بسعة الأفق , و تلهمه الحكمة و الفهم الواسع بوقت قصير , وهي تختصر عليك المرور بكثير من محطات الحياة فتختزلها عبر دفتي الكتاب . اسم الكتاب : مذكرات أميرة عربية . حكت فيه تلك الأميرة مراحل حياتها , و تفاصيلها الدقيقة بدءاً من الحياة الرغيدة , و العيشة السعيدة , و القصور الفارهة , و المآكل المتنوعة , و الملابس الفاخرة في بيت الملك .. بيت أبيها … فكان وصفها جميل , و عيشتها على من هم من أمثالي غريبة , و قصتها عجيبة . هي بنت ملك زنجبار , و أمها واحدة من أحد السراري البالغ عددهن 77 ممن يعشن في قصر الملك , و هي أخت لـ 100شخص من الأبناء و البنات لذلك الملك . حكاية هذه الأميرة طويلة , و لكن الذي يهمني منها و جعلني أقف متأملاً قصتها , أنها عاشت سنين الرفاهية في بيت أبيها , و لما مات الملك دبت الخلافات بين الأبناء المئة , فما كان إلا أن تفرق المُلك بينهم , و صارت دولة العز دويلات صغيرة تنشد الذل , ثم سقط الأبناء شيئاً فشيئاً و لم يبقى منهم حياً إلا سبعة و ثلاثون . و هؤلاء لم يتعظوا من قسوة ذلك الزمان و فرقته و الذي لاك الأخوة السابقين منهم , فكان الأخوة يتحزبون ويتآمرون على بعضهم , فما كان من الأخوة الكبار و هم الملوك إلا أن كشفوا خطط إخوتهم الصغار . فمنهم من نال العقاب , و منهم من تاب عن طريق التحزب و اختار أن يعيش في زوايا الحياة و رجع إلى الصواب . أما هذه الأميرة فقد وقعت في حب سرق قلبها , لتاجر يعيش في بلدتها , و هذا التاجر ألماني الجنسية يعمل لحساب شركة مصدرة تتخذ بجانب قصرها مقراً لها . فرأت ذات مرة فرآها , و نبض قلبها له و تحرك فؤاده . فقررا بعد قصة حب طويلة أن تهرب معه إلى ألمانيا . فكان لها ما أرادت فهربت واستقرت معه في ألمانيا لمدة ثلاث سنوات . ولكن هل انتهت الحكاية , لا , لقد توفي زوجها في حادث سير , و خلف من خلفه زوجة وثلاث أطفال أكبرهم للتو قد بدا يخطو خطواته الأولى . لقد سكنت هذه الأميرة مدينة كولون الألمانية , و برلين و غيرها من المدن في تلك الدولة , و لم تعجبها تلك العيشة , فهي قد اعتادت عيشة الجزيرة حيث يمتد النظر بلا حدود , و تغرد الطيور حولها في كل وقت , و ينشد البحر نشيده المفضل عبر لهن أمواجه المتلاطمة . لذا فهي قد سبت الكثير من المدن الألمانية وامتدحت مدن أخرى قليلة . و يهمني من القصة أنها سكنت مدينتي التي أرسل هذا التقرير منها , وهي مدينة كولون . وهي تقول في مذكراتها : ” لا أعلم ما السر خلف التعامل الألماني الجاف مع كافة الغرباء , رغم أنني أحمل جنسيتهم و عشت لسنين معهم , لكن لم تكن تربطني إلا القليل من العلاقات مع بعضهم ” … نعم لقد وقعت هذه الأميرة على الجرح , و أعلنت شيئاً مما في النفس , وعبرت بما في الخاطر , فهذا الشعب لم ترى عيني أغرب منه وأعجب من طريقة حياتهم , فكأنما حُرمت الابتسامة عليهم , أو كأنهم بخلوا بها على من يقدم إليهم من الغرباء الذين هم بأمس الحاجة لابتسامة تفك عنهم بعض أحزانهم , و تعوضهم فقدهم لديارهم , و تشعرهم أنهم و برغم لون دمهم الأحمر و لكنهم لا يحملون أي ضغينة لأصحاب الدم الأزرق المختار على بقية الشعوب المستضعفة . لذا و من هذا المنطق قررت قبل أن آتي إلى ألمانيا أن أنهي أعمالي مبكراً . و بعدها أخرج من ألمانيا , لكي أتنفس , و أبتسم كما يبتسم الناس , ولعلي أسأل في الشوارع و أجد من يجيب على تساؤلاتي بنفس مرحة أو قلب يحب المساعدة , لقد خلفت ألمانيا خلف ظهري و توجهت إلى أرض الابتسامة , أرض سويسرا …
حيث الطبيعة التي تناسبني , أرضها عجيبة ,و طبيعتها غريبة , ساكنيها لطفاء . بلد ترقد على الجبال الخضراء المنبسطة . إنها بعكس غابات ألمانيا الكثيفة و التي تشكل بأشجارها الطويلة المتماسكة قضبان زنزانة مقفل على سجين مظلوم , و ترسم عبر أنهارها خنادق تمنع زائريها المساكين من التمتع بجمال من حولها . لقد اخترت أن أغادر المدن الألمانية , و هربت من أرض التعاسة إلى أرض السعادة , لأنقل لكم أيام السعد , و أحدثكم عن جمال الأرض , و صفاء السماء , و نسمات الهواء , أحدثكم عن أنهار جارية …
و زهور عطورها نافثة , و بحيرات متناثرة , و لحظات سعيدة , و أيام سارة , و نبضٌ هناك رائع , و عالم فاتن , و جمال أخاذ…
لكي أنقل لكم الجمال , أنقل الجمال لعشاق الجمال , أنقل لكم ألوانٌ مختلفة من ألوانها الفاتنة . ألوان ورودها الحمراء التي تعلن العشق , و مياهها الرقاقة و التي تنثر الحب , و سحبها المنتشرة التي ترسل عبر قطراتها عهد الصداقة و الوفاء..
هناك سماءٌ زرقاء ترسم الصفاء والنقاء ..
و أرض خضراء تلبس النفس بالسكينة , و القلب بالهدوء , والجسم بالدفء…
و طيف يحيط بالكون لينشر البهجة , و السرور , والسعادة …
هناك كل أرض هي أجمل من أختها , و كل شيء له ألوان عدة ..
كل الطبيعة , و ألوانها , و أشكالها تتزاحم من أجل أن تأخذ مكانا هناك على أرض الطبيعة…
وكل الأشياء صغيرها وكبيرها يجمعها قاسم مشترك , وهو الجمال الساحر…و المنظر الفاتن…
فالحروف تتزاحم , و القلم يحتار , والورق يتمنى أن يكتب كل وصف حسن تستحقه تلك الأرض…
لكن … تختفي الأمنيات مع قوة السحر , و فتنة الجمال , و سيطرة الأغراء ….و يبقى شيئاً واحد يردد , و هو العبرة بجميل خلق الله العزيز الواحد الأحد الغفار سبحانه و تعالى…
أخوتي …
اليوم أحدثكم عن زيارتي الأخيرة لسويسرا أرض الزهور و الابتسامة … فلقد خرجت إلى تلك الأراضي و أحمل بيدي قلمي , و بقلبي عشقي , و بذهني صور ترسم حبي …
دخلت إلى سويسرا فوجدت الزهور باستقبالي , و البحيرات تتناثر على أطراف الجبال من حولي…
وقطرات الندى تنادي , و الزهور بشذاها تعطر المكان و تسعد بجمالها الزائر…
و الطيور تغرد من حولي, و تغني , و ترافقني لتسامرني …
والأطفال ببراءتهم يرسمون سعادتي , و ينشرون الجمال بصورة براقة..