تقع مدينة هرر في الجنوب الشرقي من إثيوبيا، وهي من المراكز الحضرية المستقرة في شرق إفريقيا منذ قديم الزمان، وهي محاطة بأسوار حجرية من كافة الجهات.
قال عنها المستكشف الإنجليزي ريتشارد بيرتون:«إن تلك المدينة التي يسكنها المسلمون، ورئيسها المستقل، وخليطها العجيب من السكان ولغتها المجهولة، وعملتها الخاصة، تستحق مشقة الاستكشاف».
كان ريتشارد بيرتون هو أول المستكشفين الغربيين الذين تطأ أقدامهم مدينة هرر، وقد ألف كتابا في تلك الرحلة عنوانه (أول أقدام في شرق إفريقيا: واستكشاف مدينة هرر)، وكان ذلك في عام 1854م، وحتى ذلك التاريخ كانت هرر مقصورة على السكان المسلمين، حيث لم يكن يسمح بدخول غيرهم فيها، مما جعل ريتشارد بيرتون يدعى الإسلام، وكان يتحدث العربية بطلاقة، محاولا التخفي بأنه تاجر عربي مسلم.
يقطن في مدينة هرر شعب خليط يسمى بالشعب الهرري، وترجح المصادر التاريخية أن إنشاء هرر يرجع للقرن السابع الميلادي، وذلك عندما هاجرت إليها مجموعات عربية من حضرموت، وتقع هرر على ارتفاع 600 قدم فوق سطح البحر، وقد أصبحت عاصمة لولاية عدال الإسلامية في القرن الإفريقي.
أصول الهرريين
هناك العديد من النظريات التي تتحدث عن أصول شعب هرر، حيث أشار البعض إلى أن أصلهم يمتد إلى الجزيرة العربية، حيث هاجرت بعض القبائل من هناك قبل 700800 عام مضت، وهذه الهجرات بدأت منذ قدوم الإسلام إلى الحبشة في الهجرة الأولى. والراجح أن هرر الأصلية كانت إلى الشمال من هرر المعروفة حاليا، ولكن نتيجة للهجمات المتوالية من جماعات التيجيراي، نزح سكانها إلى الموقع الحالي محتفظين بنفس الاسم لمنطقتهم السابقة، ونجد أن بعض مجموعات الجبرتا في إرتريا لها نفس المكونات الثقافية لسكان هرر، واسم هرر مشتق من كلمة (هادير) في اللغة التيجرية التي تعني الأشخاص الذين تركوا البلد وهاجروا.
قيام وسقوط دولة هرر:
كانت هرر في بيئة ذات طبيعة احتكاكية بين المسيحيين والمسلمين، وكانت تنشب بينهم الحروب من حين إلى آخر، حيث تدور الحرب بين الطرفين بصفة مستمرة تحت مفهوم «هذه بتلك»، وكانت الغلبة في البدء للمسيحيين، إلى أن جاء القائد المسلم أحمد إبراهيم الغازي في عام 1522م، واستطاع ذلك القائد المسلم أن يدحر الأحباش المسيحيين ويدمر دولتهم بنصر حاسم، ومد نفوذه من حدود السودان غرباً إلى الصومال في الشرق مع الاشتمال على ميناء زيلع، وفي ذلك الوقت كانت هرر في أوج عظمتها، ولكن الأحباش استعانوا بالبرتغاليين وتمت هزيمة الجيش الهرري ، مع أنهم لم يستطيعوا دخول مدينة هرر.
جاء الأمير نور بعد الأمير الغازي، وهو الذي قام ببناء السور الذي يحيط بالمدينة، وما زال السور قائما حتى هذا اليوم.
استمرت إمارة هرر إمارة مسلمة لا تتبع لسلطة الأحباش إلى أن جاء الملك منليك ملك الحبشة عام 1887م، حيث استطاع غزو هرر في معركة شديدة الوحشية، ودخل المدينة وقام بتحويل المسجد الجامع إلى كنيسة، منهيا بذلك تاريخاً إسلامياً باهراً امتد لعدة قرون، وبذلك أصبحت هرر جزءا من إثيوبيا من ذلك التاريخ.
عادات اجتماعية
في مناطق هرر وهي مناطق تجمع المسلمين في إثيوبيا يغلب على عادات الزواج الكرم، فبعد الإعلان عن الخطبة يرسل الخاطب بقرة حلوباً إلى بيت مخطوبته فتجمع والدتها لبن تلك البقرة وتصنع منه كميات من السمن تقدم للعريس كهدية ليلة زفافه، بعد الموافقة تعلن الخطبة في حضور مشايخ القبائل، وتناول أم العروس العريس إناءً به لبن ليشربه، وهذا دليل رضا الأم عنه كزوج لابنتها.
ومن تلك اللحظة يكون الشاب في خدمة والد العروس حيث يساعده في المزرعة وفي الرعي وسائر الأعمال الأخرى، وطوال هذه الفترة تخزّن أم العروس السمن والعسل والقمح المطحون لبيت ابنتها، ويسلم للعريس هذه الأشياء بعد الانتهاء من حفل الزواج حيث يقف المعازيم صفين يتقدمهم شيوخ القبائل ويظهر والد العروس يسوق أمامه عددًا من الأبقار وصفائح السمن والعسل وجوالات الدقيق ويقول أمام الحضور: «هذا ما أعددته لابنتي»، فيرد عليه شيوخ القبائل: «ونحن قبلنا»، بعد ذلك يظهر العريس وفي يده سوط كنوع من أنواع استكمال الزينة، ويسمى هذا اليوم بيوم السوط، ويبدأ المعازيم في الجلوس ويقدم لهم الطعام، ولا يأكل العريس إلا من مائدة أعدتها والدة العروس بنفسها دليل رضاها عنه، وبعد الفراغ من الأكل تقف والدة العروس وتقدم إناءً من اللبن كذلك إلى العريس ليشرب هو وأصدقاؤه المقربون، فيأخذ الإناء من يدها ويسلمها بعض حبات البن ويمنح عمة العروس وخالتها هدية من المال في تلك اللحظة.
وفي نهاية الاحتفال يعود المعازيم ليصطفوا صفين وتخرج العروس سائرة إلى بيت زوجها وسطهم، حيث ترتفع الأناشيد وتسود البهجة والفرحة.
بينما حافظ زواج المسلمين على شكله الشرعي من حيث الخطوبة والمهر ووليمة الزواج.
خاتمة
تظل مآذن هرر وسورها شاهدين على عظمة أمة الإسلام وتاريخها العريق، وعلى الرغم من الاضطراب الذي يسود تلك المنطقة، ما زال الهرريون متمسكون بدينهم وعروبتهم